قصائد تجريدية











"الوردة الحمراء"

عادل قاسم

انا الطفلةٌ الوحيدةُ التي كنتُ بلا لونٍ ولا رائحة، ابنةُ الماءِ الناصعِ البياض. خيطُ ظِلٍ يفشي يُتْمهُ لفصولِ البهجةِ البراقة بمواشيرها كلما حَلَّ الربيعِ بالنَدى والمطر. اتَرْقب ُكَجَمْرةٍ ذاوية انْ يُباركَني بضيائهٍ. انا الملكةُ التي اسبغتْ عَليَ عشتارُ لوني الأحمـــرَ، انا قلْبُ سُهيلِ النابض. انا الزُهْرةُ التي تُدِلُ الضَليلِ كلما اعيتهُ الصحراءُ التي تَسَتبْدِلُ، ثيابَها كل حِين.

 ****



"الوردة الحمراء"

 محمد يزن

هي شريدة رتابة لا معنى لها ولا فحوى. هي في مسرح من اللون الأحمر لا ترى إلا طللا متفحما ينتظر طريقه نحو الزوال الى منفاه الاخير لتفقد عذرية العذوبة في استنشاق العليل. هي لا تشاكس الفراشات فهي جميله كفاية لتطير نحو شمس محرقة لأجنحتها لكنها تحاور الروح الطاهرة التي لبست ثوب العزاء يوم مقدمها من رحم الألم.

  ****





"الوردة الحمراء"

عمر فهد حيدر

أنا وردة حمراء قاتمة اللون، يتباهى العاشقون بسحري. أتراقص بين أخواتي اﻷخريات يتدافع العشاق في عيدهم ﻹعلان الحب عبر مساماتي الخفية، يتبادلون القبل عبر رائحة بتلاتي. أنا الوردة الحمراء لي قلب امتلأ بالحب والعطاء. ومازال يبحث عن حب.


***



"الوردة الحمراء"

علاء الدليمي



مثقلةٌ بالندى، مورقةٌ أمام السيافِ. هو يرومُ قطفها غير مكترثٍ بشذاها وتجدد ثيابها كل صباحِ. وقفتْ شامخةً تجودُ بأنفاسها لتغمرَ المكانِ بأريجٍ أحمرٍ نسجَ للشمسِ خيوطآ مشرقة . يعسوبُ النحلُ يغازلها وكأنها مليكته المدللة.

 ****





"الوردة الحمراء"

 أحلام البياتي


من بؤبؤ الأرض الحبلى ببتلات مورقة ومنعرجة من قلوب السهارى العاشقين لظل الإزرقاق الطائر كمنحنى يجب بالعشق الإلهي ويملأ ذرات المحبة قبلا عابقة بالخجل؛هي قلوب دامعة بالعناق ومتلهفة لشعاع الشمس الدافئة.

 ****




"الوردة الحمراء"

  نصيف الشمري


أنتِ؛ في عالمِ الأمنياتِ، شريط الظفائرِمهداة من عصفورِ الدارِ بلونِ حياتهِ، تعتلين الغصنَ نهاية فوق الراحلين، شاهدة أنَّ الراحِلَ حيٌّ يرزق، وفي الأعراسِ وفاء من حب.

 ****





"الوردة الحمراء"

 كامل مرزوق  


 باسمةٌ شِفاهُ الربيع تحكي الألق، تُعانقُ الشّفق تكتسي الشمسَ مع المساء. كواكبُ السّماء  بنتُ الشهيد تُقبّلُ الوردةَ الحمراء؛ الشاهدة على الحياة.


 ****




"الوردة الحمراء"

  عزيز  السوداني



 الوردةُ الحمراء في غمراتِ الليلِ تنسجُ من عذريةِ عطرها ولونِها القاني قصائدَ عشقٍ تبثها عند إنبلاجِ الصباحِ تُمرّغ خدودَ نضارتِها بخيوطِ الشمسِ، تتوهجُ عندَ تفتّحها تعزفُ لحناً ملائكياً: لو كلُّ العيونِ لديها أملٌ لأصبحَ العالمُ رائعاً

 ****




"الوردة الحمراء"

 مليكة    الحامدي



تسربلنا ذات التّعاريج النّافرة باستفاقة قطرة على سفحها الأخضر يُؤجّج أحمرها السّكران بين ثورة الدم و بكورة الكرز ألف قبلة في فستان عشتار. هي دفء الملتقى بين نبضين تأبطا بركان الشوق و سلّما لرسولة العشق أمانة الانغمار في أقصى القّوة المشعّة. حيث ذروة المنى القابعة في ميسم تنامت بإشباع حوله صحائف ذات وبر لا تشبه إلّا وجه طفلة استفاقت من حلمها الأول للتو.





 ****


"الوردة الحمراء"

 كريم عبدالله



في أعماقها تسكنُ الوحشة ليلاً, كلّما يلتمعُ على أوراقها ضوءُ القمرِ, هي لا تعرفُ الزمن لكنّها تمضي بأحلامها تنتظرُ هطولَ الفجرِ. عاشقةٌ للغبشِ الضحوك. أناملُ الندى رقيقة لا تجرحُ ألوانها, لا تبوحُ بسرِّ الجمال, ولا ب إخضرار الروح , أوغنجِ العطر إلاّ إذا جاءَ الصباح. هي تعرفُ بأنَّ الشمسَ غداً ستغازلها وتفتحُ أبوابها, وأنّ أسراباً مِنَ النحلِ سـتغزوها, تمنحها الرحيقَ دونَ مشقّةٍ, لكنّها لا تعي لماذا تقطفها اصابع مخشوشنة قبلَ الأوان .!

 ****



"الوردة الحمراء"

حسين الغضبان


الارض، بدت نشوتها تزهر على وجهها بعد مانزل الماء، يتزخرف ثوبها بالوان الورود الاّ اللون الأحمر كان ثوبا لمنام الشمس، جاء الحسد اللعين فَقَتل، قامت وردة ترتدي دم البراءة ثوبا لتفقع عين الحسد بالحب الأحمر فامتلأ المكان مسرّة للناظرين.



 ****



"الوردة الحمراء"

 زكية محمد


هل رأيت خجل صمتها القرمزي وهو يرتل ترانيم الحظ الخفية .هاهي ذي حربها الشوكية تضع أوزارها خاضعة لنبض عاشق تعب. حلمه شمس متلهفة وصوته قمر شارد، نظرته الناعمة الغارقة في بحرالحرمان.صباح ندي ، يفوح سره توقا، صدقت رسالته واهدت عذوبتها الحمراء فداء عشق أبي و عطرها الساحر شهيد قلب نقي لم ينصفه المطر.







****

"الوردة الحمراء"

 فاطمة سعدالله   


عند أعتاب الفجر ودّعته رفرفتْ روحُه وردةً حمراءَ بمنقار حمامة الرّحيل. هَمَتْ من عيْنيْها غمامتان.ارتوى عطشُ الشهيد إلى الخلود.







****

"الوردة الحمراء"

 نعيمة حميد


يقطنها عبق هناك حيث تشرق شمس قلوب مظلمة، ترمم احلاما مهترئة تغزو وسائد الليل ، تتجلى في وريقاتها مملكة المطر، تميل لأنامل تذوقت العشق من قلب عصفور ثمل.تأتي بعالم غير منظور هي ضخمة لا تروى و ضئيلة بين طيات الورق.



****



"الوردة الحمراء"

 حسن المهدي


في الحنايا المورقات فوق ميسم منفلت مع الندى يورق الربيع ويكتمل القمر، فياسرها وجدها القرمزي بأكمام صبابات التوهج، عروسة للفصول القانية. وفوق أوراق خدود الخجل الشفقي يفتح غصن الضوء ازراره لمعصم الريح ويسافر بها في ألق الشمس صوب نصف الحياة المنبعث من لعبة الحظ.



****





"الوردة الحمراء"

 أنور غني


 الوردة الحمراء كشوارع مدينتي قاسية لا تبتسم. رداؤها الاحمر ورثته من ساحرة تقطن مدنا ثلجية لا شيء فيها سوى ريح شاحبة و صقيع مرّ. انها تفيض جحيما بارداً و قرمزياً. أنت لا يمكن ان تشعر بلهيب شوقها القاتل.










همش بقلم د أنور غني الموسوي

النص التجريدي و الجمالية التجريدية


المشهد الشيئي و المشهد الشعوري

ما يحصل عادة في الكتابة الشعرية المعهودة هو انه يصار الى التعبير عن المشهد المعين بوحدات لغوية بيانية اعتمادا على الدلالة لايصال الفكرة التي هي عبارة عن افكار شيئية مرتبة في حدث الزمان و المكان، لكن في الكتابة التجريدية يختلف الامر من بدايته أي من جهة تصور الفكرة لدى المؤلف فلا يكون هناك شيئية يراد التعبير عنها بل المشهد يتحول من مشهد شيئي الى مشهد شعوري يعبر عنه. و تكون الكتابة التعبيرية في الوسط بين هذين الحالتين.
ان التحول الاهم على الاطلاق هو بلوغ الشعر حالة الشعرية التجريدية حيث يختفي التصور الفكري الشيئي للمشهد، أي اننا نتعمق في عالمنا الشعوري و الاحساسي الذي يتكون تجاه المشهد الى درجة اننا ننسى المشهد و اشياءه و لا ندرك سوى الانفعال الشعوري الاحساسي تجاهه، فتنتفي الشيئية في التصور و تصبح شيئية المعاني و الافكار شبه معدومة وهذا هو الفرق الكبير في التجربة التجريدية من جهة التاليف و التصور و انتاج الفكرة.
وبعبارة ثانية ان الادراك للفكرة و المشهد الشعري في الشعرية الدلالية ( المعهودة) يكون بتصور الافكار و الاشياء مرتبة في المشهد ، بينما في الشعرية التعبيرية يكون هناك ادراك للنظام الشعوري و الاحساسي الذي يثيره المشهد فينا مع تضاؤل لمركزية المشهد ذاته لكن يبقى نحو التفات لها ، و اما في الشعرية التجريدية فان الادراك بالمشهد يلغى تماما و لا يبقى سوى ادراك للنظام الشعوري الذي يتحقق تجاهه في نفوسنا.
اذن لدينا المشهد الشيئي و لدينا الاحساس الشعوري الذي يتحقق في نفوسنا تجاهه، ما يحصل في الشعرية العادية ( الدلالية) هو طغيان التركيز على شيئية المشهد و تضاؤل التركيز على الاحساس المصاحب، اما في الشعرية التعبيرية يكون التركيز على الاثنين متقاربا، لكن في الشعرية التجريدية فانه يحصل طغيان للادراك بالاحساس الشعوري مع تضاؤل للادراك بشيئية المشهد حد تلاشيه. فلدينا مشهد شيئي  في الشعرية الدلالية العادية و مشهد شعوري  في الشعرية التجريدية و مشهد وسط بينهما في الشعرية التعبيرية.
التعبير التدلالي و التعبير التجريدي
ما يحصل في التعبير الشعري الدلالي المعهود هو ان يعبر عن الفكرة بمجاز شعري و برمزية معنوية بيانية معتمدا على الحكائية المعنوية و المرجعية التفاهمية فتكون الالفاظ مشيرة بشكل او باخرى الى اشياء خارجية مقصودة ، أي ان الشيئية محورية في الشعرية العادية.
لكن في الشعرية التعبيرية يحصل تحرر من هذه الشيئية و يحصل تحرر من التوصيل و من منطقية توصيل الفكرة و الرسالة بالحكائية المعنوية ، فيصار الى توصيل الرسالة بالثقل الاحساسي و الشعوري المصاحب للمعاني ، فلا تكون المعاني مرئية بل البعد العاطفي الشعوري هو المرئي وهذا تحول مهم في الكتابة الشعرية.
اذن في الشعرية العادية يتم التعبير عن المشهد الشيئي بالمجاز الشعري وهذه هو مفهوم الجمالية في الشعرية الدلالية المعهودة حيث تستند الى مرجعية لغوية، اما في الشعرية التعبيرية فلا يكون الاعتماد على المجاز وانما يكون الاعتماد على استحضار الثقل الشعوري للمعاني و اعتماد المرجعية الاحساسية و الشعورية ولو من دون مجاز وهذا ما اسميناه باللغة التعبيرية ، حتى تصل الى درجة تضاؤل الادراك بالمعنى و يصبح الادراك كله بالنظام الاحساسي الحاضر، فينتقل النظام الشعوري الاحساسي من حالة المصاحبة لمعنى الى حالة الاستقلال بالوجود، فيدرك مجردا وهذا هو جوهر التعبير التجريدي. 
و حينما ناتي الى النص ما عاد لدينا حدث ولا فاعل و لا شيئية مركزية و انما  لدينا كيانات شعورية و احساسية. فالنص التجريدي لا يتكون من معاني مرتبة بمنطقية لغوية كما في النص العادي و انما يتكون من مكونات شعورية مرتبة في نظام احساسي وهنا تكمن الثورة الكبرى في التعبير  التجريدي و التي لا يدرك الكثيرون اهميتها الان ، حيث ان النص يتحول من نظام لغوية مكون من وحدات دلالية مرتبة في نسق دلالي الى نظام احساسي مكون من وحدات شعورية مرتبة في نسق احساسي.
فما لدينا في التعبير التجريدي  ادراك شعوري احساسي معبر عنه بكلام تجريدي بواسطة حكائية تعبيرية احساسية بينما ما لدينا في التعبير الدلالي العادي فادراك فكري شيئي معبر عنه بكلام دلالي بواسطة الحكائية التوصيلية للالفاظ. نعم النص يبقى متكونا من كلمات الا ان وجود الكلمات في النص و تجليها مختلف، ففي النص الدلالي التوصيلي التجلي للدلالة اللغوية بينما في النص التجريدي فبالتجلي للكتلة الشعورية. و بدلا من الفهم الدلالي للنص و الكلمات يصبح لدينا فهم جمالي احساسي للنص و كلماته، حيث تدرك الكلمات ليس بما هي وحدات دلالية بل بما هي وحدات شعورية، و النص لا يدرك كنظام لغوي بل يدرك كنظام شعوري احساسي، وهذا فرق مهم للغاية كبير بين الجمالية العادي و الجمالية التجريدية.


تشيّؤ الاحساس و الجمال
لا بد من التاكيد على هذا الفهم  المهم وهو ان الادراك التجريدي هو استقلال الاحساس  في الوجود و تجرده عن الاشياء المثيرة و الحاملة له فلا يكون محتاج الى المعاني و الشيئية ليدرك بل هو يدرك بذاته كشيء وهذا ما نسميه ( تشيؤ الاحساس) وهذا تحول كبير و مهم في الادرك للاشياء ، وهذا العمل هو ابتداع جمالية جديدة غير معهودة وهي جمالية ( الاحساس المستقل بوجوده) أي الجمال المتشيء  اذ ليس معهودا في نظرية المعرفة ان يدرك الشعور مستقلا عما يثيره و لا ادراك الجمال مستقبل عن الجميل.
فالمعهود ان الشعور والاحساس هو انفعال بشيء مثير، وهذا ايضا يجري في ادراك الجمال بان هناك شيئا جميلا يدرك جماله لكن ما يحصل في الادراك التجريدي هو انه يتم ادراك الاحساس من دون مثيره و ادراك الجمال بذاته من دون ادراك الجميل، فلا يلتفت الى الجميل بل يلتفت الى الجمال فقط. فالتجريدي هي ادراك الاحساس من دون ادراك ما يثيره و ادراك الجمال من دون ادراك للجميل الذي كان عنه ذلك الجمال. و حينما نقول انه لا يدرك الجميل لا يعني انه معدوم بل هو موجود الا انه غير ملتفت اليه و انما يعرف و يثبت وجوده بالمادية اللفظية بان هناك لفظ يدل عليه و بالدلالة العقلية بان الجمال يكون عن جميل. و من الواضح انه يمكن تحقيق ادراك قوي بالاحساس و الشعور من دون ادراك ما يثره و ادراك بالجمال مع ابهام و اجمال بالجميل ، فنقول ان لدينا هنا جمالا لشيء جميل و ان كنا لا نشخص الشيء الجميل من حيث التجنيس و التنويع و انما هو شيء مبهم و مجمل.



ملخص المصطلحات المذكورة
مشهد شيئيئ يقابله مشهد شعوري
ادراك شيئي يقابله ادراك شعوري
جمال محمول يقابله جمال متشيء
نص دلالي يقابله نص تجريدي
جمالية عادية تقابلها جمالية تجريدية
دلالة لغوية يقابله كتلة شعورية
تعبير دلالي يقابله تعبير شعوري
نسق لغوي يقابله نسق احساسيي
مرجعية لغوية يقابله مرجعية شعورية.
































ثلاث قصائد تجريدية؛ عزيز السوداني

(1)
مسَّوَدَة قصيدة

الموجةُ البلهاء تصطدمُ بالموجةِ الأخرى، البحرُ لا يرى تلك الغيمةَ السابحةَ، الشمسُ منزويةٌ خلفَ الأسوارِ، الريحُ تضحكُ ملءَ أشداقِ الزمنِ.



(2)
هواجس التفاصيل

أرسلتها مُجْمَلةً. التفاصيل تُوجعُ القلب تُخفِتُ وهجَ الحروف، أُحبّكِ كلّكِ كما أنتِ هكذا أجمل من تفاصيل قلقة، فكل تفاصيلِ الأرضِ والوشيجُ المُنحطمُ على مسرحِ إبداع الحريةِ تشظياتٌ من رحمِ إمرأةٍ ثكلى.


(3)
بلا ظلٍّ مرة أخرى

لستُ رجلاً فضيّاً لأخشى المطرَ، لي جذورٌ في وجهِ الشمسِ، أنا أُشبِهُ حبّةَ قمحٍ في نيسان، أعشقُ سنبلةً شقراء، لا أملكُ شيئاً سوى قلبٍ مصنوعٍ من أحزانٍ وقصائد تسبحُ في خارطتي، كنت أعرفها، باحة صغيرة محطة للإنتقال إلى عالمٍ مخيفٍ، كانت ترى ورداً أصفراً ثم ترى حصاناً أسوداً هائجاً، إنتُزعَتْ من لحظةِ ظلٍّ خلفَ جدارِ الصوتِ، نعم أعرفها أنا الرجلُ الواقفُ هناك ويداي مكبّلتان، الريحُ تعصفُ بها ربطتْ جميعَ أصابعي، إستنشقتُ عينيها ورسمتها آهاتٍ ظلّتْ تتنزّى في صدري، أُغلقتْ الآفاقُ ودارتْ الأرضُ فأنبتتني مرة أخرى شجرةً بلا ظلٍّ.











عزيز السوداني 
العراق

















الفكرة و التعبير عنها في القصيدة التجريدية؛



- ليس كل ما يكتبه الشعراء هو تجريد، و نحن هنا في تجريد نمارس عملية تجريبية و ورشة و تبادل خبرات لان الكتابة التجريدية غير معهودة.
- القصيدة التجريدية قصيدة خاصة جدا، تتميز بما يلي:

اولا: الفكرة 
الفكرة المتصورة لا تكون بشكل افكار ومعاني مرتبة و انما كتل شعورية و احساسية. والمشهد الشعري لا يكون شيئيا و انما يكون شعوريا. و اللحظة الشعرية لا تكون بتامل الافكار و انما بتامل الروح و ادراك الشعور تجاه الكلمات.
ثانيا: التعبير
التعبير لا يكون معتمدا على معاني الكلمات و افادات الجمل بل بالثقل الشعوري و الاحساسي للكلمات.و القارئ لا يرى معاني مترابطة كثيرا بل يرى  نظاما من الاحاسيس و المشاعر متجسدة في النص. و الموضوع الفكري و الرسالة و الوحدات المكونة للنص لا تعتمد على التواصل اللغوي و الدلالي بل تعتمد على الكتل الشعورية و الاحساسية الواصلة الى المتلقي. و لا يكون للنص ابعادا دلالية و لغوية واضحة و انما النص يغرق في حالة الشعورية و الاحساسية. 














ملامح الكتابة التجريدية

د أنور غني الموسوي




الأدب فن قائم بالألفاظ الا انه ليس فنا لغويا.لذلك فكل مقولات اللغة لا تنفع في تناول الكتابة الأدبية. و لهذه الحقيقة سنستبدل كلمة "نص" بكلمة "مقطوعة" أدبية.  فكما ان المقطوعة الموسقية قائمة بالاصوات الا انه لا يمكن تناولها بعلم الصوت فان المقطوعة الادبية قائمة بالالفاظ لكن لا يمكن تناولها بعلم اللغة. و بنظرنا فان المقوم الاساس لأدبية الكتابة هو التجريد، أي تجريد الالفاظ من لغويتها. اننا هنا نعلن ان الادب بعيد كل البعد عن اللغة و ان تطبيق نظريات اللغة على الادب كان اقحاما و محاولة بائسة نرى اثرها السيء بوضوح منذ ظهور المحاولات البنيوية و التفكيكية و التداولية.
المقطوعة التجريدية تتلاشى فيها التجنيسات الادبية ، لان التجنيسات الادبية قائمة على خلفية اللغة ، و المقطوعة التجريدية تتخلى عن كل ذلك . لذلك فكل ما نفهمه و نعرفه و نشاهده و نسمعه هو مقطوعة تجريدية . انا اعلم ان هذه الفكرة – أي فكرة التجريدية في الكتابة-  لن يستوعبها الفكر الادبي السائد حاليا كما اني اعلم ان التناولات اللغوية للادب لن تقدم فكرة حقيقية عنه. وان التجريدية هي الحل . جوهرة التجريدية مقولة " الأدب ليس فنا لغويا"
الادب التجريدي هو كتابة تجريدية تنبثق من اعماق الاتحاد بالاشياء و رؤيتها في عمقها مجردة من التشكل الظاهري، و استعمال شعوري للالفاظ يجردها من بعدها اللغوي التوصيلي بمقطوعة تنقل الاحساس و الشعور قبل التوصيل  المعنوي. التجريدية هي السرّ الأكبر للأدب. هنا ليس لدينا الفاظ تحكي عن معان و انما الفاظ تحكي عن ثقل شعوري و عاطفي و احساسي، انها كلمات ملونة بالشعور و ليس بالتوصيل ، كلمات بمعان تتوهج و تشع تختلف في صدمتها الشعورية و ليس في مرجعياتها الفكرية و البلاغ الافكاري.   

- لقد اشرنا كثير في مقالاتنا عامي 2015-2016  الى تجريدية الكتابة و ضمناها في كتابنا " التجريدية  في الكتابة" و سنعمل في المستقبل القريب الى بيان اكثر للفكرة و النموذج . و بعد ان نجد كتابا مؤمنين بالتجريد في الادب و متمكنين فيها فانا سنعلن عن ولادة مجموعة تجريد الأدبية وانا واثق ان " تجريد " ستنجح لانها حقيقة.







البعد الاحساسي و البعد التوصيلي للكلمات


القصد الجمالي للكلام متقوم بالتجريد أي تجريد الكلمة من بعدها التوصيلي اللغوي وقصد بعدها الشعوري الاحساسي، أي قصد نفس المعنى كوحدة شعورية احساسية و ليس كوحدة توصيلية علاماتية، و لهذا فالتجريد درجات ،كلما ازدادت تجريدية القصد الجمالي للكلمة قل الالتفات الى بعدها التوصيلي العلاماتي حتى تصل الى التجريد التام وهو ادراك الكلمة كوحدة  جمالية شعورية احساية من دون أي ادراك لبعدها التوصيلي العلاماتي.
فالتجريد لا يعني عدم قصد المعنى بل هو قصد مركز للمعنى بنفسه كوحدة جمالية شعورية و ليس كوحدة توصيلية لغوية، أي التجريدية قصد شعوري للمعنى .
و لحقيقة ان القصد الجمالي متقوم بالقصد التجريدي يمكننا تعريف الادب انه قصد تجريدي للكلمات و معانيها ، لكن لاجل ان التجريد له درجات ، فاننا يمكن تقسيم الادب الى قسمين
الادب التعبيري  وهو تجريدية الكلمات و المعاني مع بقاء البعد اللغوي التوصيلي لها  وهذه هي التجريدية الناقصة.
الادب التجريدي وهو تجريدية الكلمات و المعاني مع انعدام البعد اللغوي التوصيلي لها وهذه هي التجريدية الكاملة و هي التي نقصدها في مصطلح الكتابة التجريدية او الادب التجريدي.





بين أدبية الكلمات و تجريدها و بين لغويتها و توصيليتها

اصل وجود و اعتبار الكلام و الكلمات هو لغويتها بان تكون علامات لتوصيل الافكار، فلغوية الكلام و كلماته هو قصدها كموصلات و كعلامات، لكن لو قصدت الكلمات بنفسها كمكونات جمالية فهذا ليس قصدا لغويا، و هذا هو جوهر القصد الأدبي للكلام و الكلمات. فالادب هو قصد جمالي للكلام. و هذا القصد اللالغوي للكلمات هو تجريد.
فالقصد الادبي للكلام و كلماته ليس قصدا لغويا لها بل قصد جمالي ، في الادب لا تقصد الكلمات بما هي علامات و موصلات افكار و انما تقصد الكلمات و معانيها بما هي مكونات شعورية و احساسية و بما هي وحدات جمالية.

لغوية الكلام و ادبيته
  
البعد الادبي و المتمثل بالبعد اللالغوية الجمالي للكلام  متقوم بالقصد الاحساسي و الشعوري للكلمات ، أي قصدها باعتبارها مثيرات شعورية و احساسية، أي ان القصد في الحقيقة الى ذلك الثقل الشعوري و الاحساسي و ليس الى البعد التوصيلي الافهامي للكلمات. فلا يلتفت الى عملية الفهم ، بل تكون عملية الفهم طريقا للوصول الى الغاية وهي القصد الشعوري.
بمعنى اخر ان عمليتي  الفهم و ادراك المعنى يتغير موقعهما  في القصد الادبي فبينما في القصد اللغوي تدرك المعاني كطريق لعملية الفهم التي هي الغاية فتكون المعاني و سيلة و طريقا اليها ، في القصد الادبي الجمالي تكون الغاية هي البعد الشعوري الاحساسي فتكون عملية الفهم وسيلة و طريق اليه و ليس غاية ، و بعملية الفهم يتحدد المعنى المراد من الكلام و الذي يكون له بعد شعوري محدد.





التجريد و التوصيل

هناك في الكلام الرسالة و القصية و البوح و البيان و هذه كلها اما  ان تكون بالمنظومة المعنى و يكون الكلام طريقا اليها و تكون الكلمات مفردات لغوية وسائطية لتوصيل تلك الافكار . فالبوح والبيان هو جزء من الرسالة الادبية وهنا يختلف الادب عن الكلام العادي ، فالكلام العادي لا يدخل الكلام في ضمن الرسالة و انما هو مراة فانية فيه بينما في الادب يكون للكلام نوع من الملاحظة و التميز ، و هذه الادبية تزداد كلما ازداد الادراك و الشعور بالكلمات و المفردات كمقصودات نفسية و ليس كموصلات و وسائل و وسائط ، فتكون الرسالة بالثقل الذاتي للكلمات و الكلام و ليس بما هي ادوات لغوية.




الكلمات بين كونها وسائل قصدي و بين كونها مقصودات

عادة ما يكون قصد المتكلم في كلماته ان يبين افكاره و يبوح بما في نفسه بواسطة الكلام ، و هذا يجري حتى في الاعمال الادبية من شعر و قصة و نحوها مع تعامل جمالي في الادب، و هذا التعامل الجمالي في الحقيقة هو قصد للكلمات نفسها و قصد للمعاني ، أي استعمال الكلمات و المعاني لاجل نفس الكلمات و المعاني ففي الاول بنحو التحسين الشكلي و الثاني بنحو التحسين المعنوي، لكن هذا كله وان كان فيه شيء من تجريد الكلام من تصويليته الا ان الغاية القصوى للتجريد هو ان يكون الالتفات كله و البوح كله بواسطة  القصد الخاص للكلمات و المعنى، بمعنى انه لا يكون هنا بوح و بيان بافكار  و بناء معنوي و انما الفكرة و القضية و الرسالة تصل بواسطة الثقل الجمالي للكلمات و المعاني بما هي مقصودات و ليس بما هي وسائل لبلوغ قصد.


















تجريد


مجلة تجريد
مجلة متخصصة بالكتابة التجريدية.

ان الكتابة التجريدية تنبثق من اعماق الاتحاد بالاشياء و رؤيتها في عمقها مجردة من التشكل الظاهري، و استعمال شعوري للالفاظ يجردها من بعدها اللغوي التوصيلي بمقطوعة تنقل الاحساس و الشعور قبل التوصيل  المعنوي. التجريدية هي السرّ الأكبر للأدب. هنا ليس لدينا الفاظ تحكي عن معان و انما الفاظ تحكي عن ثقل شعوري و عاطفي و احساسي، انها كلمات ملونة بالشعور و ليس بالتوصيل ، كلمات بمعان تتوهج و تشع تختلف في صدمتها الشعورية و ليس في مرجعياتها الفكرية و البلاغ الافكاري.   



تصدر عن مؤسسة تجديد الادبية
مجموعة تجريد


رئيس التحرير د أنور غني الموسوي